السلطان الغازي محمد الثاني الفاتح : أهم معاركه وحقبة الازدهار في عهده
لمّا
توفي السلطان مراد الثاني ارتقى عرش العثمانيين ابنه محمد، فكان عليه بادئ الأمر
أن يُخضع ثورة نشبت ضده في إمارة قرمان بآسيا الصغرى، فاستغل الإمبراطور البيزنطي
قسطنطين الحادي عشر هذا الأمر، وطلب من السلطان مضاعفة الجزية التي كان والده
يدفعها إلى البيزنطيين لقاء أسرهم الأمير أورخان حفيد سليمان بن بايزيد المطالب
بالعرش العثماني. فاستاء السلطان محمد من هذا الطلب لما كان ينطوي عليه من تهديد
بتحريض أورخان هذا على العصيان، فأمر بإلغاء الراتب المخصص له، وراح يتجهّز لحصار
القسطنطينية والقضاء على هذه المدينة في أقرب فرصة ممكنة. وكان أوّل ما قام به في
هذا السبيل تشييده عند أضيق نقطة من مضيق البوسفور قلعة "روملي حصار"
القائمة على بعد سبعة كيلومترات من أبواب القسطنطينية. وعندئذ أرسل الإمبراطور
قسطنطين بعثة من السفراء إلى السلطان محمد لتحتجّ لديه على ذلك، فلم يلقوا منه
جوابًا شافيًا، بل أصرّ على البناء لما في القلعة من أهمية استراتيجية. واستنجد
الإمبراطور قسطنطين بالدول الأوروبية فلم تنجده إلا بعض المدن الإيطالية، أما
البابا فقد أبدى استعداده لمساعدة الإمبراطور شرط أن تتحد الكنيستان الشرقية
والغربية، ووافق قسطنطين على المشروع، ولكنّ تعصّب الشعب حال دون تحقيق ذلك.
محمد الثاني يدخل القسطنطينية، بريشة جوزيف بنيامين :
وكان
السلطان قد حشد لقتال البيزنطيين جيشًا عظيمًا مزودًا بالمدافع الكبيرة وأسطولاً
ضخمًا، وبذلك حاصرهم من ناحيتيّ البر والبحر معًا. والواقع أن البيزنطيين استماتوا
في الدفاع عن عاصمتهم، لكن ما أن مضى 53 يومًا على الحصار حتى كان العثمانيون قد
دخلوا المدينة بعد أن هُدمت أجزاء كبيرة من أسوارها بفعل القصف المدفعي المتكرر،
واشتبكوا مع البيزنطيين في قتال عنيف جدًا دارت رحاه في الشوارع، وذهب ضحيته
الإمبراطور نفسه وكثير من جنوده. حتى إذا انتصف النهار دخل محمد المدينة وأصدر
أمره إلى جنوده بالكف عن القتال، بعد أن قضى على المقاومة البيزنطية ونشر راية
السلام. اتخذ السلطان محمد لقب "الفاتح" بعد فتح المدينة، وأضاف إليه
لقب "قيصر الروم"، على الرغم من عدم اعتراف بطريركية القسطنطينية ولا
أوروبا الغربية بهذا الأمر، ونقل مركز العاصمة من أدرنة إلى القسطنطينية التي غيّر
اسمها إلى "إسلامبول"، أي مدينة الإسلام أو تخت الإسلام،وأعطى للمسيحين
الآمان وحرية إقامة شعائرهم الدينية، ودعا من هاجر منهم خوفًا إلى العودة إلى
بيوتهم. سقطت الإمبراطورية البيزنطية عند فتح المدينة بعد أن استمرت أحد عشر قرنًا
ونيفًا، وتابع السلطان محمد فتوحاته في أوروبا خلال السنوات اللاحقة التي أعقبت
سقوط القسطنطينية، فأخضع بلاد الصرب وقضى على استقلالها، وفتح بلاد المورة في جنوب
اليونان، وإقليم الأفلاق وبلاد البشناق وألبانيا، وهزم البندقية ووحد الأناضول عبر
قضائه على إمبراطورية طرابزون الرومية وإمارة قرمان. وقد حاول السلطان محمد أيضًا
فتح إيطاليا لكن وافته المنية سنة 1481م، فانصرف العثمانيون عن هذه الجهة.
دور التوسع والقوة (1453–1683 :(
يُمكن
تقسيم هذه الفترة في التاريخ العثماني إلى حقبتين مميزتين: حقبة النمو والازدهار
العسكري والثقافي والحضاري والاقتصادي، وهي تمتد حتى سنة 1566م، وحقبة شهدت
بأغلبها ركودًا سياسيًا وعسكريًا، وتخللتها فترات إصلاح وانتعاش، وقد دامت حتى سنة
1683م.
حقبة النمو والازدهار (1453–1566(
السلطان
الغازي بايزيد خان الثاني المُلقب "بالصوفي"، لجنوحه إلى السلم وابتعاده
عن الحرب.
معركة چالديران بين العثمانيين والصفويين، جدارية من إحدى القصور
في أصفهان :
بعد
موت السلطان محمد الفاتح تنازع ابناه "جم" و"بايزيد" على
العرش. ولكن الغلبة كانت من نصيب بايزيد، ففر جم إلى مصر حيث احتمى بسلطان
المماليك "قايتباي" ثم إلى رودس حيث حاول أن يتعاون مع فرسان القديس
يوحنا والدول الغربية على أخيه، لكن بايزيد استطاع إقناع دولة الفرسان بإبقاء
الأمير جم على الجزيرة مقابل مبلغ من المال،وتعهد بأن لا يمس جزيرتهم طيلة فترة
حكمه، فوافقوا على ذلك، لكنهم عادوا وسلموا الأمير إلى البابا "إنوسنت
الثامن" كحل وسط، وعند وفاة الأخير قام خليفته بدس السم للأمير بعد أن أجبره
الفرنسيون على تسليمهم إياه، فتوفي في مدينة ناپولي، ونقل جثمانه فيما بعد إلى
بورصة ودُفن فيها. اتصف السلطان بايزيد بأنه سلطان مسالم لا يدخل الحروب إلا
مدافعًا، فقاتل جمهورية البندقية بسبب الهجمات التي قام بها أسطولها على بلاد
المورة، وحارب المماليك حين قرر السلطان قايتباي السيطرة على إمارة ذي القدر
ومدينة ألبستان التابعتين للدولة العثمانية، وعدا ذلك فكان يفضل مجالسة العلماء
والأدباء. وفي عهده سقطت غرناطة آخر معاقل المسلمين في الأندلس؛ فبعث بعدّة سفن
لتحمل الأندلسيين المسلمين واليهود إلى القسطنطينية وغيرها من مدن الدولة،[ وفي
عهده أيضًا ظهرت سلالة وطنية شيعية في بلاد فارس، هي السلالة الصفوية، التي
استطاعت بزعامة الشاه إسماعيل بن حيدر، أن تهدد بالخطر إمبراطورية العثمانيين في
الشرق.
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire